فصل: فَصْلٌ: (وُجودُ شَرْطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [وُجودُ شَرْطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ]:

(وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ)؛ أَيْ: شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ قَبْلُ (بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ، أَوْ عَقَلَ مَجْنُونٌ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ تَابَ فَاسِقٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ (إصْلَاحُ الْعَمَلِ) لِحَدِيثِ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ». وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ (فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ وَشَهَادَةُ أَمَةٍ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ حُرٌّ وَحُرَّةٌ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَأَخْبَارِهَا، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا، وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ هَانِئٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَكَيْفَ زَعَمَتْ ذَلِكَ»؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ لَيْسَ لِلْقِنِّ مُرُوءَةٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ كَالْحُرِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْأُمَرَاءُ. (وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ (حَرُمَ) عَلَى سَيِّدِهِ (مَنْعُهُ) مِنْهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. وَلَا تَشْتَرِطُ الشَّهَادَةُ (كَوْنَ صِنَاعَتِهِ)؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (غَيْرَ دَنِيئَةٍ عُرْفًا فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ حَجَّامٍ وَحَدَّادٍ وَزَبَّالٍ) يَجْمَعُ الزِّبْلَ (وَقَمَّامٍ) يَقُمُّ الْمَكَانَ مِنْ زِبْلٍ وَغَيْرِهِ (وَكَنَّاسٍ) يَكْنُسُ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا (وَكَبَاشٍّ) يُرَبِّي الْكِبَاشَ (وَقَرَّادٍ) يُرَبِّي الْقُرُودَ، وَيَطُوفُ بِهَا لِلتَّكَسُّبِ (وَدَبَّابٍ) يَفْعَلُ بِالدُّبِّ كَمَا يَفْعَلُ الْقَرَّادُ (وَنَفَّاطٍ) يَلْعَبُ بِالنَّفْطِ (وَنَخَّالٍ)؛ أَيْ: يُغَرْبِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْمُقَلِّشَ (وَصَبَّاغٍ وَدَبَّاغٍ وَجَمَّالٍ وَجَزَّارٍ وَكَسَاحٍّ) يُنَظِّفُ الْحُشُوشَ (وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَصَائِغٍ وَمَكَّارٍ وَقَيِّمٍ)؛ أَيْ: خَدَّامٍ (إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ) بِأَنْ حَافَظُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَلِيهَا بِنَفْسِهِ، فَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ أَفْضَى بِهَا إلَى تَرْكِ النَّاسِ لَهَا، فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا تُقْبَلُ (مَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلَدٍ يَسْكُنُهُ، أَوْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ بِلَا عُذْرٍ) إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدُ زِنًا) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ (حَتَّى بِهِ)؛ أَيْ: الزِّنَا إذَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ (بِهِ). وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ (بَدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَعْمَى بِمَا سَمِعَ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ، فَإِنْ جَوَّزَ الْأَعْمَى أَنْ يَكُونَ صَوْتَ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الصَّوْتِ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْبَصِيرِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى (بِمَرْئِيَّاتٍ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ) إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا تُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ؛ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ (وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا بِعَيْنِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ لَهُ) لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ، فَوَصَفَهُ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ نَحْوِ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى (أَوْ) تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ (عَلَيْهِ أَوْ مَشْهُودٍ بِهِ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ) فَوَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي (وَالْأَصَمُّ كَسَمِيعٍ فِيمَا رَآهُ) مُطْلَقًا قَبْلَ الصَّمَمِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ (أَوْ فِيمَا سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ) كَسَمِيعٍ. (وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ؛ لَمْ يُمْنَعْ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تُهْمَتَهُ حَالَ شَهَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ. (وَإِنْ حَدَثَ بِشَاهِدٍ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ) كَعَدَاوَةٍ وَعَصَبِيَّةٍ (وَتَزْوِيجٍ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ مَنَعَهُ)؛ أَيْ: الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَانْتِقَاؤُهُ حِينَهَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهَا (غَيْرُ عَدَاوَةٍ ابْتَدَأَهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ أَوْ قَاوَلَهَا عِنْدَ الْحُكُومَةِ) بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ؛ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَفِسْقٍ وَغَيْرِهِمَا (بَعْدَ الْحُكْمِ) وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَحْكُومٍ بِهِ (يُسْتَوْفَى مَالٌ) حُكِمَ بِهِ (لِأَحَدٍ مُطْلَقًا)؛ أَيْ: لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ (وَلَا قَوَدَ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ فَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَحَاكِمٍ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَقَاسِمٍ وَمُرْضِعَةٍ عَلَى قِسْمَتِهِ وَإِرْضَاعِهَا، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي.

.بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ:

الْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ، وَهُوَ مَا يَحُولُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَقْصُودِهِ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا، وَهُوَ قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا (وَهِيَ سَبْعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ يَمْلِكُ)؛ أَيْ: الشَّاهِدُ لَهُ، أَوْ يَمْلِكُ (بَعْضَهُ) إذْ الْقِنُّ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، أَوْ كَوْنِ مَشْهُودٍ لَهُ (زَوْجًا) لِشَاهِدٍ لِتَبْسُطْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ (وَلَوْ كَانَ زَوْجًا فِي الْمَاضِي) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ فَسْخِ لَعْنَةٍ؛ فَلَا تُقْبَلُ؛ سَوَاءٌ كَانَ شَهِدَ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (أَوْ لَمْ تُرَدَّ قَبْلَهُ)؛ أَيْ: قَبْلَ الْفِرَاقِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْنُونَتِهَا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ- وَلَوْ بَعْدَ الْفِرَاقِ إنْ كَانَتْ رُدَّتْ قَبْلَهُ- وَإِلَّا قُبِلَتْ انْتَهَى.
أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ لَهُ (مِنْ عَمُودِي نَسَبَهُ)؛ أَيْ: الشَّاهِدِ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ- وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ- وَعَكْسَهُ (وَلَوْ لَمْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ بِمَا شَهِدَ (بِهِ نَفْعًا غَالِبًا) لِمَشْهُودٍ لَهُ كَشَهَادَتِهِ لَهُ (بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ) وَمِنْهُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ؛ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ، وَلَا وَلَاءٍ» وَفِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْغِمْرُ الْحِقْدُ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ، وَكُلٌّ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ بِطَبْعِهِ؛ لِحَدِيثِ: فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَ. وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ شَخْصٍ لِبَاقِي أَقَارِبِهِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ جَائِزَةٌ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِوَلَدِهِ) مِنْ زِنًا وَرَضَاعٍ (وَلِوَالِدِهِ مِنْ زِنًا وَرَضَاعٍ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَعَدَمِ التَّبَسُّطِ فِي مَالِهِ. شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِصَدِيقِهِ وَعَتِيقِهِ وَمَوْلَاهُ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (وَرَدَّ ابْنُ عَقِيلٍ شَهَادَةَ) صَدِيقٍ لِصَدِيقِهِ إذَا كَانَتْ صَدَاقَتُهُمَا وَكِيدَةً، وَرَدَّ أَيْضًا شَهَادَةَ (عَاشِقٍ لِمَعْشُوقِهِ، وَهُوَ رَدٌّ حَسَنٌ) لِأَنَّ الْعِشْقَ يَطِيشُ.
(وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ لَوْ شَهِدَ وَلَدُ الْحَاكِمِ عِنْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ شَهِدَ وَالِدُهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (أَوْ) شَهِدَتْ (زَوْجَتُهُ فِيمَا تُقْبَلُ) فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ (يَتَوَجَّهُ عَدَمُ قَبُولِهَا)؛ أَيْ: تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ تَحَرِّيهِ فِي عِدَالَتِهِمْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ يَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمْ، كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمْ هُنَاكَ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (لَوْ شَهِدَ عَلَى الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ الْأَظْهَرُ لَا تُقْبَلُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْحُكْمِ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ) وَقَالَ: تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ رَفِيقَهُ فِي الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ (انْتَهَى) أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَتَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَتِهِ، فَيَكُونُ قَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِإِمْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا. (وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (لَهُ؛ فَتُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ شَهِدَا)؛ أَيْ: الْعَدْلَانِ (عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا؛ وَهِيَ) أُمُّهُمَا (تَحْتَهُ)؛ أَيْ: أَبِيهِمَا؛ قَبِلَا أَوْ شَهِدَا (عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا)؛ أَيْ: ضَرَّةِ أُمِّهِمَا (قَبِلَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِمَا. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى مُعْتِقِ عَبْدَيْنِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا)؛ أَيْ: الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ عِتْقِهِمَا (مِنْهُ، فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِهِ)؛ أَيْ: مُدَّعِي غَصْبِهِمَا (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا (لِعَوْدِهِمَا) بِقَبُولِهَا (لِلرِّقِّ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا)؛ أَيْ: الْعَتِيقَانِ (أَنْ مُعْتِقَهُمَا كَانَ حِينَ الْعِتْقِ لَهُمَا غَيْرُ بَالِغٍ وَنَحْوَهُ) كَجُنُونِهِ. (أَوْ جَرَحَا شَاهِدَيْ حُرِّيَّتَهُمَا) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ؛ لِعَوْدِهِمَا إلَى الرِّقِّ بِهِ. (وَلَوْ أَعْتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَشَهِدَا) أَيْ: الْعَتِيقَانِ (بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِبُطْلَانِهِ)؛ أَيْ: الرِّقِّ (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (الثَّانِي) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ (بِهَا)؛ أَيْ: شَهَادَتِهِ (نَفْعًا لِنَفْسِهِ كَشَهَادَتِهِ)؛ أَيْ: الشَّخْصِ (لِرَقِيقِهِ، وَلَوْ) مَأْذُونًا لَهُ أَوْ (مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ رَقِيقُهُ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ». أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ) فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْرِي الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ؛ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوصِيهِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ، أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوَكِّلِهِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (وَلَوْ) كَانَتْ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ (بَعْدَ انْحِلَالِهِمَا)؛ أَيْ: الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ (كَشَهَادَةِ وَكِيلٍ بِمَا كَانَ وَكِيلًا فِيهِ بَعْدَ عَزْلِهِ) لِلتُّهْمَةِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَشْهَدُ (أَوْ) شَهَادَتُهُ (لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ) قَالَ فِي (الْمُبْدِعِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا) لِاتِّهَامِهِ، وَكَذَا مُضَارِبٌ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ انْتَهَى؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ (أَوْ) شَهَادَةُ (مُسْتَأْجِرِهِ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ،) كَمَنْ نُوزِعَ فِي ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ بِهِ لِمُسْتَأْجِرِهِ؛ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ) شَهَادَةُ وَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (لِمَنْ فِي حِجْرِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ هُوَ خَصْمٌ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَهُوَ مُتَّهَمٌ أَوْ شَهَادَةُ (غَرِيمٍ بِمَالٍ لِمُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرٍ) أَوْ مَوْتٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ بِمَالِهِ بِذَلِكَ؛ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ شَهَادَةُ (أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) لِاتِّهَامِهِ بِأَخْذِ الشِّقْصِ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ (أَوْ شَهَادَةُ مَنْ لَهُ كَلَامٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ، وَإِنْ قَلَّ) الِاسْتِحْقَاقُ (فِي رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ بِمَصْلَحَةٍ لَهَا.
قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَلَا شَهَادَةُ عُمَّالِ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ) لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ أَوْ وُلَاةٌ. (وَلَوْ شَهِدَا)؛ أَيْ: الْعَدْلَانِ (بِطَلَاقِ أَمَتِهِمَا) الْمُزَوَّجَةِ أَوْ شَهِدَا (بِعَزْلِ وَكِيلِ زَوْجِهَا فِي طَلَاقِهَا؛ لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِلتُّهْمَةِ. (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ وَارِثٍ (لِمُوَرِّثِهِ فِي مَرَضِهِ) وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَحَالَ جُرْحِهِ (بِدَيْنٍ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَقٌّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَشَهَادَتِهِ لِامْرَأَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أَوْ غَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفِّيَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. (وَإِنْ حُكِمَ بِهَا)؛ أَيْ: بِشَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ- وَلَوْ فِي مَرَضِهِ- بِدَيْنٍ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَشْهُودُ لَهُ (فَوَرِثَهُ الشَّاهِدُ؛ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ. (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ يَدْفَعَ بِهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ كَ) شَهَادَةِ (الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يُوسِرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَكَشَهَادَةِ (الْغُرَمَاءِ بِجَرْحِ شُهُودِ دَيْنٍ عَلَى مُفْلِسٍ) أَوْ مَيِّتٍ تَضِيقُ تَرِكَتُهُ عَنْ دُيُونِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ، وَكَشَهَادَةِ الْوَلِيِّ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى مَحْجُورِهِ وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. (وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، لَا تُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ) كَسَيِّدٍ يَشْهَدُ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ. وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ: «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ». (الرَّابِعُ مِنْ الْمَوَانِعِ الْعَدَاوَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ شَهَادَةِ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، وَسُنِّيٍّ عَلَى مُبْتَدِعٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً كَفَرَحِهِ بِمُسَاءَتِهِ، أَوْ غَمِّهِ بِفَرَحِهِ، وَطَلَبِهِ لَهُ الشَّرَّ؛ فَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةُ إنْسَانٍ عَلَى عَدُوِّهِ (إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، وَتَقَدَّمَ؛ فَتَلْغُوَ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مَقْذُوفٍ عَلَى قَاذِفِهِ، وَمِنْ مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ عَلَى قَاطِعِهِ) فَلَا تُقْبَلُ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ، بَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ (إلَّا إنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. قَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ تَمْنَعْ؛ فَيُقْبَلُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْبِدْعِيِّ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ فِي دِينِهِ. وَتَلْغُو الشَّهَادَةُ (مِنْ زَوْجٍ) إذَا شَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي زِنًا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا؛ لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ (بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا فِي قَتْلٍ وَغَيْرِهِ) كَسَرِقَةٍ وَقَرْضٍ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. (وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (عَلَيْهِ) كَعَدُوِّهِ وَمَقْذُوفَتِهِ وَقَاطِعِ طَرِيقِهِ (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا. (الْخَامِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْعَصَبِيَّةُ فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ) كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ (وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ)، وَفِي حَدِيثٍ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ». (وَأَدْخَلَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَصْحَابِ (الْفُقَهَاءَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَأَخْرَجَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ) مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ إذْ دِيَانَتُهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي (قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، اُعْتُبِرَتْ الْأَخْلَاقُ كُلُّهَا، فَإِذَا أَشَدُّهَا عَلَى الْمَرْءِ وَبَالًا الْحَسَدُ). وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ؛ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ. إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ». (السَّادِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَشْهُودٌ لَهُ بِهَا؛ لَمْ يَقْدَحْ (وَ) تَقَدَّمَ (قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا) فَتُرَدُّ وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ (إلَّا فِي نَحْوِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ) كَظِهَارٍ؛ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى فِيهَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مُفْرِطًا فِي الْحَمِيَّةِ مُتَعَصِّبًا؛ فَشَهِدَ بِهِ (وَحَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِ؛ لَمْ تُرَدَّ) شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (السَّابِعُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ ثُمَّ يَتُوبَ، وَيُعِيدَهَا، فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ) فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَابَ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، وَلِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا، وَلِأَنَّ رَدَّهُ لِفِسْقِهِ حُكْمٌ؛ فَلَا يُنْقَضُ بِقَبُولِهِ (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ مَنْ تَحَمَّلَهَا فَاسِقًا (حَتَّى تَابَ؛ قُبِلَتْ) لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا تُهْمَةً. (وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ أَخْرَسُ، فَزَالَ ذَلِكَ) الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، أَوْ كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَوْ نَطَقَ الْأَخْرَسُ (وَأَعَادُوهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (قُبِلَتْ) لِأَنَّ رَدَّهَا لِهَذِهِ الْمَوَانِعِ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ؛ فَلَا تُهْمَةَ، بِخِلَافِ رَدِّهَا لِلْفِسْقِ (لَا إنْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجَرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ) فَرُدَّتْ، أَوْ شَهِدَ (لِمُكَاتَبِهِ) بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ (وَيَتَّجِهُ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ شَهِدَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ شَهِدَ شَرِيكٌ بِعَفْوِ شَرِيكٍ فِي شُفْعَةٍ) عَنْ الشُّفْعَةِ (فَرُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (أَوْ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (بِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ لَهُ، أَوْ لِعَدَاوَةٍ، فَبَرِئَ مُوَرِّثُهُ) مِنْ جَرْحِهِ (وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ، وَعَفَا الشَّافِعُ عَنْ شُفْعَتِهِ، وَزَالَ الْمَانِعُ) مِنْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَجَلْبِ نَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ (ثُمَّ أَعَادُوهَا، فَلَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادِ الثَّانِي وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ (وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَأَجْنَبِيٍّ؛ رُدَّتْ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا) قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت وَقِيَاسُهُ لَوْ حَكَمَ لَهُ وَلِأَجْنَبِيٍّ.

.بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ شُهُودِهِ:

لِاخْتِلَافِ عَدَدِ الشُّهُودِ بِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ (وَهِيَ)؛ أَيْ: أَقْسَامُهُ (سَبْعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَمُوجِبُ حَدِّهِ)؛ أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِهِ)؛ أَيْ: الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَوْ) وَيَشْهَدُونَ (بِأَنَّهُ)؛ أَيْ: الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (أَقَرَّ بِهِ أَرْبَعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} «وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». وَاعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لَهُ، فَاعْتُبِرُوا فِيهِ كَشُهُودِ الْفِعْلِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ دُونَ أَرْبَعٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ) بِالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَعْجَمِيًّا تَرْجَمَ أَرْبَعَةٌ لَا اثْنَانِ) كَذَا وُجِدَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَصِفَتُهُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ كَالشَّهَادَةِ؛ فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ أَرْبَعَةٍ (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِمَا أَعْجَمِيًّا قُبِلَ فِيهِ تُرْجُمَانَانِ، وَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَ الْإِقْنَاع. الْقِسْمُ (الثَّانِي إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى) لِيَأْخُذَ مِنْ نَحْوِ زَكَاةٍ (فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ) يَشْهَدُونَ: لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ». الْقِسْمُ (الثَّالِثُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَالْإِعْسَارَ وَوَطْءٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ) كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَبَهِيمَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمٍ، وَأَمَّا وَطْءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ (وَبَقِيَّةُ الْحُدُودِ) كَحَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ (فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ) لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِنَقْصِهِنَّ (وَيَثْبُتُ قَوَدٌ وَقَذْفٌ وَشُرْبٌ بِإِقْرَارٍ مَرَّةً) وَتَقَدَّمَ، بِخِلَافِ زِنَا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ. الْقِسْمُ (الرَّابِعُ مَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالَ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ وَوُجُودِ شَرْطِهِ)؛ أَيْ: الطَّلَاقِ كَكَوْنِ الْمُطَلِّقُ زَوْجًا مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ (وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَتَعْدِيلٍ وَتَجْرِيحٍ وَإِحْصَانٍ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ وَإِيصَاءٌ فِي غَيْرِ مَالٍ، فَكَاَلَّذِي قَبْلَهُ)؛ أَيْ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ؛ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ (الْخَامِسُ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَقَرْضٍ، وَرَهْنٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَحَوَالَةٍ، وَصُلْحٍ، وَهِبَةٍ، وَعِتْقٍ، وَكِتَابَةٍ، وَتَدْبِيرٍ، وَمَهْرٍ وَتَسْمِيَتِهِ وَرِقِّ مَجْهُولٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَشُفْعَةٍ، وَإِتْلَافِ مَالٍ، وَضَمَانِهِ، وَتَوْكِيلٍ فِيهِ، وَإِيصَاءٍ فِيهِ) وَوَصِيَّةٍ بِهِ لِمُعَيِّنٍ. وَوَقْفٍ عَلَيْهِ، وَبَيْعٍ وَأَجَلِهِ وَخِيَارِهِ وَجِنَايَةِ خَطَأً (أَوْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ قَوَدًا بِحَالٍ) كَجَائِفَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ (تُوجِبُ مَالًا وَفِي بَعْضِهَا قَوَدًا كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ، لَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ فِي ذَلِكَ) وَأَخَذَ تَفَاوُتَ الدِّيَةِ (وَكَفَسْخِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، لَا عَقْدَ نِكَاحٍ (وَكَدَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلْبِهِ، وَكَدَعْوَى أَجِيرٍ أَوْ أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقِّهِ؛ فَيَثْبُتُ) الْمَالُ فِي مَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَا قَوَدَ الْمُوضِحَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ (بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي الدَّيْنِ، وَأَلْحَقَ بِهِ سَائِرَ الْأَمْوَالِ؛ لِانْحِلَالِ رُتْبَةِ الْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الْمُعَامَلَةُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَوَسَّعَ الشَّرْعُ بَابَ ثُبُوتِهِ (وَ) يَثْبُتُ ذَلِكَ (بِرَجُلٍ وَيَمِينِ مُدَّعٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا قَوِيٌّ جَانِبُهُ بِالشَّاهِدِ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ، أَشْبَهَ صَاحِبَ الْيَدِ وَالْمُنْكِرِ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ، (وَلَا) يَثْبُتُ الْمَالُ وَنَحْوُهُ بِشَهَادَةِ (امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ) لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْنَ (وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّهَادَةِ)؛ أَيْ: شَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ (عَلَى الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى جَانِبُهُ إلَّا بِشَهَادَتِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ مُدَّعٍ فِي حَلِفِهِ: وَإِنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ. (وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ)؛ أَيْ: الْيَمِينِ (مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا؛ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْحَقُّ)؛ أَيْ: انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ نَصًّا؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جَنْبَتِهِ- وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا- فَصَارَتْ جَنْبَةُ غَيْرِهِ؛ فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا. (وَلَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ مَالِيٌّ بِشَاهِدٍ، فَأَقَامُوهُ بِهِ، فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ) لِكَمَالِ النِّصَابِ مِنْ جِهَتِهِ (وَلَا يُشَارِكُهُ) فِيمَا أَخَذَهُ (مَنْ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ حَلِفِهِ (وَلَا تَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ) عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ إقَامَتِهِ شَاهِدًا بِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَارِثِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الدَّعْوَى، وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ، وَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَأْخُذُ. (الْقِسْمُ السَّادِسُ دَاءٌ نَحْوَ دَابَّةٍ وَمُوضِحَةٍ) وَدَاءٌ بِعَيْنٍ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ طَبِيبٍ وَاحِدٍ وَبَيْطَارٍ وَاحِدٍ) وَكَحَّالٍ وَاحِدٍ (لِعَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ)؛ أَيْ: الدَّاءِ نَصًّا، لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ كَالْقَاضِي يُخْبِرُ عَنْ حُكْمِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ اثْنَانِ كَسَائِرِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَيْسَ بِمَالٍ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِوُجُودِ الدَّاءِ وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ (قُدِّمَ قَوْلُ مُثْبِتٍ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ لَمْ يُدْرِكْهَا النَّافِي.
الْقِسْمُ (السَّابِعُ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ كَبَرَصٍ) بِظَهْرٍ وَبَطْنِ امْرَأَةٍ (وَرَتْقٍ) وَقَرْنٍ وَعَفَلٍ وَنَحْوَهُ (وَالرَّضَاعُ وَالِاسْتِهْلَالُ وَالْبَكَارَةُ وَالثُّيُوبَةُ وَالْحَيْضُ، وَكَذَا جِرَاحَةُ غَيْرِهَا) كَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوَهُ (فِي نَحْوِ حَمَّامٍ وَعُرْسٍ مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ رِجَالٌ؛ فَيَكْتَفِي فِيهِ امْرَأَةٌ عَدْلٌ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا»: ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ. وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يُجْزِئُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ». وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنًى يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ. (وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ اثْنَتَانِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ فَهُوَ أَوْلَى) بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَرْأَةِ (لِكَمَالِهِ) أَيْ: لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَكُلُّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ كَالرِّوَايَةِ.

.فَصْلٌ: [مَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ]:

(وَمَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ)؛ أَيْ: بِأَنَّهُ أَخُوهَا مِنْ رَضَاعٍ (فَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ الْإِقْرَارَ بِهِ (لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَإِنْ شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ)؛ أَيْ: لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَالْمَالُ بَدَلٌ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَجِبْ بَدَلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُ أَحَدِ شَيْئَيْنِ- وَهُوَ الْمَذْهَبُ- لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِذَلِكَ لَوَجَبَ الْمُعَيَّنُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ. (فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَمَى أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ؛ وَنَفَذَ السَّهْمُ إلَى أَخِيهِ الْآخَرِ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، وَأَقَامَ بِذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَحَلَفَ مَعَهُ؛ ثَبَتَ قَتْلُ الْخَطَأِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْمَالِ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ شَهِدُوا)؛ أَيْ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ (بِسَرِقَةٍ ثَبَتَ الْمَالُ) لِكَمَالِ نِصَابِهِ (دُونَ الْقَطْعِ) لِلسَّرِقَةِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ؛ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، وَالسَّرِقَةُ تُوجِبُ الْمَالَ وَالْقَطْعَ، وَقُصُورُ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْآخَرِ (وَيَغْرَمُهُ نَاكِلٌ)؛ أَيْ: لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةِ مَالٍ، فَأَنْكَرَ؛ فَالْتَمَسَ يَمِينَهُ، فَنَكَلَ؛ غَرِمَ الْمَالَ- وَلَا قَطْعَ- لِأَنَّ النُّكُولَ لَا يَقْضِي فِي غَيْرِ الْمَالِ. (وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ خُلْعًا، قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُهُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ (فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ بِذَلِكَ، وَتَبِينُ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَإِنْ ادَّعَتْهُ)؛ أَيْ: الْخُلْعَ الزَّوْجَةُ (لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْفَسْخُ، وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ رَجُلَيْنِ. (وَمَنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ (بِتَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ عَيَّنَتْهُ؛ ثَبَتَ الْمَهْرُ) دُونَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلرَّجُلِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، وَلَا الدَّعْوَى بِهِ مِنْهَا، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ. (وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ مَا سَرَقَ أَوْ مَا غَصَبَ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا بَاعَ، أَوْ مَا اشْتَرَى، أَوْ مَا وَهَبَ، أَوْ مَا قَتَلَ (فَثَبَتَ فِعْلُهُ) الْمَحْلُوفُ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ (بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، ثَبَتَ الْمَالُ) لِكَمَالِ نِصَابِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) زَوْجَتُهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ قِنُّهُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ) أَنْ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهَا مِنْهُ؛ أَوْ شَهِدَ (رَجُلٌ، وَحَلَفَ مَعَهُ أَنْ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ؛ قُضِيَ لَهُ بِهَا)؛ أَيْ: الْجَارِيَةِ (أُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، لَهُ وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَالِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِنُفُوذِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا وَلَا نَسَبُهُ) مِنْ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، فَيُقِرُّ الْوَلَدُ بِيَدِ مُنْكِرٍ مَمْلُوكًا لَهُ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لَكِنَّهُ)؛ أَيْ: وَلَدُهَا (كَهِيَ) فَيُعْتَقُ مَعَ أُمِّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ مَكْتُوبٌ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) حُكِمَ بِهِ نَصًّا، أَوْ وُجِدَ (عَلَى أُسْكُفَّةِ دَارٍ أَوْ حَائِطِهَا) مَكْتُوبٌ (وَقْفٌ أَوْ مَسْجِدٌ؛ حُكِمَ بِهِ)؛ أَيْ: حُكِمَ بِأَنَّ الدَّارَ وَقْفٌ أَوْ مَسْجِدٌ بِمُقْتَضَى الْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِيالطُّرُقِ الْحُكْمِيَّة قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: نَصًّا حَيْثُ لَا مُعَارِضَ أَقْوَى مِنْهُ كَبَيِّنَةٍ. (وَلَوْ وُجِدَ) مَكْتُوبٌ (عَلَى كُتُبِ عِلْمٍ فِي خِزَانَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً) هَذَا وَقْفٌ (فَكَذَلِكَ)؛ أَيْ: يَحْكُمُ (بِهِ، وَإِلَّا) تَكُنْ مُدَّتُهَا طَوِيلَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ بِخِزَانَةٍ (عَمِلَ بِالْقَرَائِنِ) فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى تَظْهَرَ لَهُ قَرِينَةٌ يَعْمَلُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ إلَى آخِرِهِ كُلُّهُ ثَابِتٌ (فِيمَا لَا مَالَك لَهُ مَعْلُومٌ) فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مَعْلُومٌ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]:

بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَبَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَبَابُ أَدَائِهَا) أَيْ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الشَّهَادَةُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ لِمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِتَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِتَدُومَ الْوَثِيقَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْبِيدِ كَالْوُقُوفِ، وَالشَّاهِدُ لَا يَعِيشُ أَبَدًا. (لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ) لَخَّصَهَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (أَحَدُهَا كَوْنُهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (فِيمَا أَيْ: حَقٌّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ قَاضٍ لِقَاضٍ) وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ، لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَكَذِبِ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي (تَعَذُّرُ) شَهَادَةِ (شُهُودِ الْأَصْلِ بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذُّرِ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ (مُخَدَّرَةٍ)؛ أَيْ: مُلَازَمَةٍ لِلْخِدْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ (أَوْ غَيْبَةِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ، وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلِاسْتِغْنَاءِ الْحَاكِمِ بِسَمَاعِ الْأَصْلِ عَنْ تَعْدِيلِ الْفَرْعِ، وَسَمَاعُهُ مِنْ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ، وَصِدْقُ شَاهِدِ الْفَرْعِ عَلَيْهِ مَظْنُونٌ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ (دَوَامُ تَعَذُّرِهِمْ)؛ أَيْ: شُهُودِ الْأَصْلِ (إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ، فَمَتَى أَمْكَنَتْ شَهَادَتُهُمْ)؛ أَيْ: الْأُصُولِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: الْحُكْمِ (وُقِفَ الْحُكْمُ عَلَى سَمَاعِهَا) لِزَوَالِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ (دَوَامُ عَدَالَةِ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) وَشَاهِدِ (فَرْعٍ إلَيْهِ)؛ أَيْ: إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ (فَمَتَى حَدَثَ مِنْ أَحَدِهِمْ) قَبْلَ الْحُكْمِ (مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ) مِنْ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ جُنُونٍ قَبْلَ أَدَائِهَا- إذْ طُرُوُّ الْجُنُونِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا- وَقْفُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَةِ الْجَمِيعِ (وَإِذَا فُقِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ)، لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ (تَعْيِينُ فَرْعٍ لِأَصْلِهِ) قَالَ الْقَاضِي حَتَّى وَلَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ: أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ (ثُبُوتُ عَدَالَتِهِمَا)؛ أَيْ: شَاهِدَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهَادَتَانِ؛ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لَا بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا. وَالشَّرْطُ السَّابِعُ (اسْتِرْعَاءُ) شَاهِدِ (الْأَصْلِ) شَاهِدَ (الْفَرْعِ) (أَوْ) اسْتِرْعَاءُ (غَيْرِهِ وَهُوَ)؛ أَيْ: الْفَرْعُ (يَسْمَعُ) اسْتِرْعَاءَ الْأَصْلِ لِغَيْرِهِ، وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ أَرْعِنِي سَمْعَك؛ أَيْ: اسْمَعْ مِنِّي، مَأْخُوذٌ مِنْ رَعَيْت الشَّيْءَ؛ أَيْ: حَفِظْته، فَشَاهِدُ الْأَصْلِ يَطْلُبُ مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَحْفَظَ شَهَادَتَهُ وَيُؤَدِّيَهَا (وَصِفَتُهُ)؛ أَيْ: الِاسْتِرْعَاءِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) أَنِّي أَشْهَدُ (أَوْ) يَقُولَ لَهُ (أَشْهَدُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْته) بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَذْكُرْهَا (أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ) يَقُولَ (شَهِدْت عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) وَإِنْ سَمِعَهُ شَاهِدُ الْفَرْعِ يُشْهِدُ غَيْرَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا. (فَلَوْ قَالَ شَاهِدُ الْأَصْلِ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا فَاشْهَدْ بِهِ أَنْتِ؛ لَمْ يَجُزْ) لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِرْعَاءِ وَإِعْزَائِهَا إلَى سَبَبٍ (فَإِذَا لَمْ يَسْتَرْعِهِ) وَلَا غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ (لَمْ يَشْهَدْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ، وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ (إلَّا إنْ سَمِعَهُ)؛ أَيْ: سَمِعَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ (يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ يَعْزُو شَهَادَتَهُ إلَى سَبَبٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ) فَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ وَيَزُولُ الِاحْتِمَالُ كَالِاسْتِرْعَاءِ (فَلَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ) عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ (بِأَلْفٍ، وَلَمْ يُعَزِّهِ)؛ أَيْ: شَاهِدُ الْأَصْلِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْتَمِلَ الشَّهَادَةَ بِالْعِلْمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَرْعَاهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرْعِيه إلَّا عَلَى وَاجِبٍ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ؛ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ) وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا. وَالشَّرْطُ (الثَّامِنُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا)؛ أَيْ: لِلشَّاهِدِ (الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ) وَإِلَّا يُؤَدِّيهَا بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ؛ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِفَرْعَيْنِ، وَلَوْ عَلَى كُلِّ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) شَاهِدُ (فَرْعٍ) نَصًّا، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلُ الْأَصْلِ، فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهِمَا؛ فَكَفَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ. (وَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ فَرْعٍ) وَاحِدٍ (مَعَ أَصْلٍ آخَرَ) كَأَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ (وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ النِّسَاءُ حَيْثُ يُقْبَلْنَ فِي أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَفِي فَرْعِ فَرْعٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِشَهَادَتِهِنَّ إثْبَاتُ الْحَقِّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ شُهُودُ الْأَصْلِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ إذَا عَلِمْنَ ذَلِكَ (فَيَفْضُلُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ) وَاحِدٍ (وَامْرَأَتَيْنِ كَعَكْسِهِ)؛ أَيْ: كَمَا يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى مِثْلِهِمْ، أَوْ عَلَى رَجُلَيْنِ أَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ (وَ) تُقْبَلُ (امْرَأَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ) لِمَا تَقَدَّمَ.